الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***
نزلت بمكة إلا (فإن كنت في شك) الاَيتين أو الثلاث أو (ومنهم من يؤمن به الاَية) وهي مائة وتسع أو عشر آيات بسم الله الرحمن الرحيم 3207- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا عَبْدُ الرّحمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن ثَابِتٍ الْبُنَانيّ عن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى عن صُهَيْبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِ الله عز وجل: {لِلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قال: "إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الْجَنّةَ نَادَى مُنَادٍ: إنّ لَكُمْ عِنْدَ الله مَوْعِداً وَيُرِيدُ أَنْ يَنْجِزَ كُمُوهُ". قالوا: أَلَمْ يُبَيّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجّيَنَا مِنَ النّارِ وَيُدْخِلَنَا الْجَنّةَ؟ قال فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ. قال: "فَوَالله ما أَعْطَاهُمْ الله شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ النّظَرِ إِلَيْهِ". قال أبو عيسى: حديثُ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ. هَكَذَا روى غيرُ وَاحِدٍ عن حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ مرفوعاً. وَرَوَى سُلَيْمانُ بنُ المُغِيرَةِ هذا الحديثَ عن ثَابِتٍ عن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ أبي لَيْلَى قَوْلَهُ ولم يَذْكُرْ فيه عن صُهَيْبٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. 3208- حدثنا ابن أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن ابنِ المُنْكَدِرِ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن رَجُلٍ مِنْ أهْلِ مِصْرَ قال: سَأَلْتُ أبَا الدّرْدَاءِ عَنْ هَذِهِ الاَيَةِ: {لَهُمُ الْبُشْرَى في الْحَيَاةِ الدّنْيَا}، قال: ما سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَد مُنْذُ سَأَلْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عَنْهَا، فقال: "ما سَأَلَني عَنْهَا أَحَد غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ، هِيَ الرّؤْيَا الصّالِحَةُ يَرَاهَا المُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ". 3209- حدثنا ابن أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ، عن عَبْدِ الْعَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ، عن أبي صالحٍ السّمّانِ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن رَجُلٍ مِنْ أهْلِ مصْرَ، عن أبي الدّرْدَاءِ، فَذَكَرَ نحْوَهُ. 3210- حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن عاصِمِ بنِ بَهْدَلَةَ عن أبي صَالِحٍ عن أبي الدّرْدَاءِ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ. وَلَيْسَ فِيهِ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ. قال: وفي البابِ عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. 3211- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا الحَجّاجُ بنُ مِنْهَالٍ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن عَلِيّ بنِ زَيْدٍ، عن يُوسُفَ بنِ مَهْرَانَ عن ابنِ عَبّاسٍ، أَن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لَمّا أَغْرَقَ الله فِرْعَوْنَ قال آمَنْتُ أَنّهُ لا إِلَهَ إِلاّ الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ. فقال جِبْرَيلُ: يَا محمّدُ لَوْ رَأَيْتَني وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ وَأَدُسّهُ في فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرّحْمَةُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. 3212- حدثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الأعْلَى الصّنْعَانِيّ، أخبرنا خالِدُ بنُ الْحَارِثِ، أخبرنا شُعْبَةُ، قال أخبرني عَدِيّ بنُ ثَابِتٍ وَعَطَاءُ بنُ السّائِبِ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ، ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "أَنّهُ ذَكَرَ أَنّ جِبْرَيلَ جَعَلَ يَدُسّ في فِرْعَوْنَ الطّينَ خَشْيَةَ أَنْ يقولَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله فَيَرْحَمَهُ الله، أوْ خَشْيَةَ أنْ يَرْحَمَهُ الله". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه. - قوله: (عن صهيب) بالتصغير: هو ابن سنان الرومي. قوله: (وفي قوله تعالى) أي في تفسيره (للذين أحسنوا) أي بالإيمان (الحسنى) أي الجنة (وزيادة) هي النظر إليه تعالى (إن لكم عند الله موعداً) أي بقي شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم والحسنى (وينجينا من النار) كذا في النسخ الحاضرة بالتحتانية. وقد تقدم هذا الحديث في باب رؤية الرب تبارك وتعالى من أبواب صفة الجنة، ووقع هناك ينجينا بحذف التحتانية، وهو الظاهر. وأما على تقدير ثيوب التحتانية فقيل عطف على ما دل عليه الجملة الاستفهامية المتقدمة وفيه ما فيه. - قوله: (لهم) أي لأولياء الله المذكورين في الاَية التي قبلها (البشري في الحياة الدنيا) تمام الاَية (وفي الاَخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) واختلفوا في هذه البشرى: فقيل هي الرؤيا الصالحة، ويدل على ذلك حديث أبي الدراداء هذا، وحديث عبادة بن الصامت الذي أشار إليه الترمذي، وقيل المراد البشري في الحياة الدنيا هي الثناء الحسن، وفي الاَخرة الجنة. ويدل على ذلك ما روى عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال تلك عاجل بشرى المؤمن، أخرجه مسلم. وقال الزهري وقتادة في تفسير البشري: هي نزول الملائكة بالبشارة من الله عند الموت، ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: "تنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون". وقال عطاء عن ابن عباس: البشري في الدنيا عند الموت تأتيهم الملائكة بالبشارة وفي الاَخرة بعد خروج نفس المؤمن يعرج بها إلى الله تعالى ويبشر برضوان الله تعالى. وقال الحسن: هي ما بشر الله بها المؤمنين في كتابه من جنته وكريم ثوابه، ويدل عليه قوله تعالى: "لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم" (هي الرؤيا الصالحة) أي الحسنة أو الصادقة وهي ما فيه بشارة أو تنبيه عن غفلة وأمثال ذلك (يراها المسلم) أي لنفسه (أو ترى) بصيغة المجهول: أي يراها مسلم آخر (له) أي لأجله، وقد تقدم هذا الحديث في أوائل أبواب الرؤيا، وتقدم تخريجه هناك. قوله: (وفي الباب عن عبادة بن الصامت) أخرجه الترمذي في أوائل أبواب الرؤيا. - قوله: (عن علي بن زيد) هو ابن جدعان (عن يوسف بن مهران) البصري وليس هو يوسف بن ماهك، ذاك ثقة، وهذا لم يرو عنه إلا ابن جدعان، هو لين الحديث من الرابعة. قوله: (لما أغرق الله فرعون قال) أي فرعون (آمنت أنه) أي بأنه، وفي قراءة بالكسر استينافاً (لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل). قال ابن عباس: لم يقبل الله إيمانه عند نزول العذاب به، وقد كان في مهل. قال العلماء: إيمانه غير مقبول. وذلك أن الإيمان والتوبة عند معاينة الملائكة والعذاب غير مقبولين (وأنا آخذ من حال البحر) أي طينه الأسود (وأدسه في فيه) أي أدخله في فمه (مخافة أن تدركه الرحمة) أي خشية أن يقول لا إله إلا الله فتناله رحمة الله. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد في مسنده وابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيرهما، كلهم من حديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس. - قوله: (ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم) يعني رواه أحدهما مرفوعاً ولم يرفعه الاَخر وضميرهما راجع إلى عدي بن ثابت وعطاء بن السائب (في في فرعون) أي في فمه، أو خشية أن يرحمه أو للشك من الراوي. قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أبو داود الطيالسي وابن جرير، كلاهما من طريق شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب، عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس. تنبيه: اعلم أن الخازن ذكر في تفسيره ههنا فصلين لدفع الإشكال الذي يرد على حديث ابن عباس المذكور، فلنا أن نذكرهما قال: فصل في الكلام على هذا الحديث، لأنه في الظاهر مشكل فيحتاج إلى بيان وإيضاح فنقول: قد ورد هذا الحديث على طريقين مختلفين عن ابن عباس، ففي الطريق الأول: عن ابن زيد بن جدعان، وهو وإن كان قد ضعفه يحيى بن معين وغيره، فإنه كان شيخاً نبيلاً صدوقاً، وكلنه كان شيء الحفظ ويغلط، وقد احتمل الناس حديثه. وإنما يخشى من حديثه إذا لم يتابع عليه، أو خالفه فيه الثقات وكلاهما منتف في هذا الحديث، لأن في الطريق الاَخر شعبة عن عدي بن ثابت عن سعيد بن جبير. وهذا الحديث على شرط البخاري، ورواه أيضاً شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير وعطاء بن السائب ثقة قد أخرج له مسلم، فهو على شرط مسلم، وإن كان عطاء وقد تكلم فيه من قبل اخلاطه فإنما يخاف ما انفرد به أو خولف فيه، وكلاهما منتف، فقد علم بهذا أن لهذا الحديث أصلاً وأن رواته ثقات ليس فيهم متهم، وإن كان فيهم من هو سيء الحفظ، فقد تابعه عليه غيره. فإن قلت: ففي الحديث الثاني شك في رفعه لأنه قال فيه: ذكر أحدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: ليس بشك في رفعه إنما هو جزم بأن أحد الرجلين رفعه وشك شعبة في تعيينه، هل عطاء بن السائب أو عدي بن ثابت وكلاهما ثقة، فإذا رفعه أحدهما وشك في تعيينه، لم يكن هذا علة في الحديث. (فصل) ووجه إشكاله ما اعترض به الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره فقال: هل يصح أن جبريل أخذ يملأ فمه بالطين لئلا يتوب غضباً عليه. والجواب: الأقرب أنه لا يصح لأن في تلك الحالة إما أن يقال التكليف هل كان ثابتاً أم لا، فإن كان ثابتاً لا يجوز لجبريل أن يمنعه من التوبة، بل يجب عليه أن يعينه على التوبة وعلى كل طاعة، وإن كان التكليف زائلاً عن فرعون في ذلك الوقت، فحينئذ لا يبقى لهذا الذي نسب إلى جبريل فائدة. وأيضاً لو منعه من التوبة لكان قد رضي ببقائه على الكفر، والرضى بالكفر كفر وأيضاً فكيف يليق بجلال الله أن يأمر جبريل بأن يمنعه من الإيمان، ولو قيل إن جبريل فعل ذلك من عند نفسه لا بأمر الله، فهذا يبطله قول جبريل "وما نتنزل إلا بأمر ربك" فهذا وجه الإشكال الذي أورده الإمام على هذا الحديث في كلام أكثر من هذا. والجواب عن هذا الاعتراض: أن الحديث قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا اعتراض عليه لأحد، وأما قول الإمام: إن التكليف هل كان ثابتاً في تلك الحالة أم لا؟ فإن كان ثابتاً لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة، فإن هذا القول لا يستقيم على أصل المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله، وأن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء "وهذا قول أهل السنة المثبتين للقدر" فإنهم يقولون إن الله يحول بين الكافر والإيمان، ويدل على ذلك قوله تعالى: "واعلموا أن الله يحول بين المرى وقلبه" وقوله تعالى: "وقالوا قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم". وقال تعالى: "ونقلب وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة" فأخبر الله تعالى أنه قلب أفئدتهم مثل تركهم الإيمان أول مرة. وهكذا فعل بفرعون منعه من الإيمان جزاء على تركه الإيمان أولا فدس الطين في فم فرعون من جنس الطبع والختم على القلب ومنع الإيمان وصون الكافر عنه وذلك جزاء على كفره السابق. وهذا قول طائفة من المثبتين للقدر القائلين بخلق الأفعال لله ومن المنكرين لخلق الأفعال من اعترف أيضاً أن الله سبحانه وتعالى يفعل هذا عقوبة للعبد على كفره السابق، فيحسن منه أن يضله ويطبع على قلبه ويمنعه من الإيمان. فأما قصة جبريل عليه السلام: فإنها من هذا الباب، فإن غاية ما يقال فيه، إن الله سبحانه وتعالى منع فرعون من الإيمان وحال بينه وبينه عقوبة له على كفره السابق ورده الإيمان لما جاءه، وأما فعل جبريل من دس الطين فإنما فعل ذلك بأمر الله لا من تلقاء نفسه. فأما قول الإما لم يجز لجبريل أن يمنعه من التوبة بل يجب عليه أن يعينه عليه وعلى كل طاعة. هذا إذا كان تكليف جبريل كتكليفنا، يجب عليه ما يجب علينا، وأما إذا كان جبريل إنما يفعل ما أمره الله به، والله سبحانه وتعالى هو الذي منع فرعون من الإيمان وجبريل منفذ لأمر الله، فكيف لا يجوز له منع من منعه الله من النوبة، وكيف يجب عليه إعانة من لم يعنه الله، بل قد حكم عليه وأخبر عنه أنه لا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم حين لا ينفعه الإيمان. وقد يقال: إن جبريل عليه السلام إما أن يتصرف بأمر الله فلا يفعل إلا ما أمر الله به، وإما يفعل ما يشاء من تلقاء نفسه لا بأمر الله، وعلى هذين التقديرين فلا يجب عليه إعانة فرعون على التوبة، ولا يحرم عليه منعه منها، لأنه إنما يجب عليه فعل ما أمر به، ويحرم عليه فعل ما نهى عنه والله سبحانه وتعالى لم يخبر أنه أمره بإعانة فرعون ولا حرم عليه منعه من التوبة وليست الملائكة مكلفين كتكليفنا انتهى. وقد أطال الخازن الكلام في دفع الإشكال الذي أورده الرازي، فعليك أن تطالع بقية كلامه.
هي مكية "إلا أقم الصلاة الاَية" أو إلا "فلعلك تارك الاَية" و "أولئك يؤمنون به الاَية" وهي مائة وثنتان أو ثلاث وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم 3213- حدثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن يَعْلَى بنِ عَطَاءٍ عن وَكِيعٍ بنِ حدس عن عَمّهِ أبي رَزِين قال: "قلت: يَا رَسُولَ الله، أَيْنَ كَانَ رَبّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قال: "كَانَ في عَمَاء ما تَحْتَهُ هَواءٌ وما فَوْقَهُ هَواءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ". قال أَحْمَدُ بن منيع: قال يَزِيدُ بن هارون: الْعَمَاءُ، أيْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ. قال أبو عيسى: هَكَذَا روى حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ: وَكِيعُ بنُ حدسٍ، ويقولُ شُعْبَةُ وأبو عَوانَةَ وَهُشَيْمٌ: وَكِيعُ بنُ عدسٍ وهو أصح وأبو رزين اسمه لقيط بن عامرٍ. قال: وهذا حديثٌ حسنٌ. 3214- حدثنا أبو كُرَيْبٍ، أخبرنا أبو مُعَاوِيَةَ عن بُرَيْدِ بنِ عبدِ الله عن أبي بُرْدَةَ عن أبي مُوسَى، أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُمْلِي، وَرُبّمَا قال يُمْهِلُ الظّالِمَ حَتّى إذَا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمّ قَرَأَ: {وَكَذَالِكَ أَخذُ رَبّكَ إذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} الاَية". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وقد رواه أبو أُسَامَةَ عن بُرَيْدٍ نَحْوَهُ، وقال: يمْلِى. حدثنا إبْراهِيمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، عن أبي أُسَامَةَ، عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله بن أبي بُردة عن جَدّهِ أبي بُرْدَةَ عن أبي مُوسَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ، وقال: يُمْلِي، ولم يَشُكّ فيه. 3215- حدثنا محمد بن بشار بندار، أخبرنا أبو عامِر الْعَقَدِيّ، هُوَ عَبْدُ المَلِكِ بنُ عَمْرٍو، أخبرنا سُلَيْمانُ بن سُفْيَانَ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَار عن ابنِ عُمَرَ عن عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قال: "لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاَيةُ: {فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيدٌ} سَأَلْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فَقلت: يَا نَبِيّ الله، فَعَلَى مَا نَعْمَلُ عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، أَوْ عَلَى شَيْء لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ؟ قال: بَلْ عَلَى شَيْء قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَجَرَتْ بِهِ الأقْلاَمُ يَا عُمَرُ وَلَكِنْ كُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريب من هذا الْوَجْهِ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديثِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ عَمْرِو. 3216- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أبو الأحْوَصِ عن سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ عن إِبراهِيمَ عن عَلْقَمَةَ وَالأسْوَدِ عن عَبْدِ الله قال: "جاءَ رَجُلٌ إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنّي عالَجْتُ امْرَأَةً في أَقْصَى المَدِينَةِ وَإِنّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسّهَا وَأَنَا هَذَا. فَاقْضِ فِيّ ما شِئْتَ، فقال لَهُ عُمَرُ: لَقَدْ سَتَرَكَ الله لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسكَ، فلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم شَيْئاً، فانْطَلَقَ الرّجُلُ، فَأَتْبَعَهُ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً فَدَعَاهُ، فَتَلاَ عَلَيْهِ: {أَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيْ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى للِذّاكِرِينَ} إِلى آخِرِ الاَيةِ. فقال رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: هَذَا لَهُ خاصّةً؟ قال: "لا، بَلْ لِلنّاسِ كَافّةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وهكذا رَوَى إسْرَائِيلُ، عن سِمَاكٍ، عن إبراهِيمَ، عن عَلْقَمَةَ وَالأَسْوَدِ، عن عَبْدِ الله، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ. وَرَوَى شُعْبَةُ عن سِمَاكٍ بن ح. رب عن إبراهِيمَ عن الأسْوَدِ عن عَبْدِ الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ. وَرَوَى سُفْيَانُ الثّوْرِيّ عن سِمَاكٍ عن إبراهِيمَ عن عَبْدِ الرّحمَنِ بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ. وَرِوَايَةُ هَؤُلاَءِ أَصَحّ مِنْ رِوَايَةِ الثّوْرِيّ. وروى شعبة عن سِمَاك بن حرب عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. 3217- حدثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى النّيْسَابُورِيّ، أخبرنا مُحمّدُ بنُ يُوسُفَ عن سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عن الأعمَشِ. وَسِمَاكٌ عن إبراهِيمَ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. 3218- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن سُفْيَانَ عن سِمَاكٍ عن إبراهِيمَ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودِ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نحْوَهُ بِمَعْنَاهُ، ولم يَذْكُرْ فيه عن الأعمَشِ. وقد رَوَى سُلَيْمانُ التّيْمِيّ هذا الحديثَ عن أبي عُثْمانَ النّهْدِيّ عن ابنِ مَسْعُودٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم. 3219- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا حُسَيْنُ بنُ عَلِيّ الْجُعَفِيّ عن زَائِدَةَ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ، عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبي لَيْلَى عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قال: "أَتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ فقال: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ رَجُلاً لَقِيَ امْرَأَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَعْرِفَةٌ، فَلَيْسَ يَأْتِي الرّجُلُ شَيْئاً إلَى امْرَأَتِهِ إلاّ قَدْ أتى هُوَ إلَيْهَا، إلاّ أَنّهُ لَمْ يُجَامِعْهَا؟ قال: فأَنْزَلَ الله: {أَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيْ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ} فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضّأَ وَيُصَلّيَ. قال مُعَاذٌ: فَقلت: يَا رَسُولَ الله، أَهِيَ لَهُ خَاصّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عامّةً؟ قال: "بَلْ لِلْمُؤْمِنِينَ عامّةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ لَيْسَ إسنادُهُ بِمُتّصِلٍ. عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أبي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَمُعَاذُ بنُ جَبَلٍ مَاتَ في خِلاَفَةِ عُمَرَ وَقُتِلَ عُمَرُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ أبي لَيْلَى غُلامٌ صَغِيرٌ ابنُ سِتّ سِنِينَ. وقد رَوَى عن عُمَرَ. وَرَوَى شُعْبَةُ هذا الحديثَ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ أبي لَيْلَى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً. 3220- حدثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أخبرنا يَحْيَى بن سَعِيدٍ عن سُلَيْمانَ التّيْمِيّ عن أبي عُثمانَ عن ابنِ مَسْعُودٍ "أَنّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرأَةٍ قُبْلَةً حَرَامٍ، فأَتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنْ كَفّارَتِهَا، فَنَزَلَتْ: {أقِمِ الصّلاَةِ طَرَفَيْ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ الّليْلِ إن الحسنات يذهبن السيئات} الاَية، فقال الرّجُلُ: أَلِي هَذِهِ يَا رَسُولَ الله؟ فقال: "لَكَ وَلِمَنْ عَمِلَ بها مِنْ أُمّتِي". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 3221- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا قَيْسُ بن الرّبيعِ عن عُثمانَ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَوْهِبٍ عن مُوسَى بنِ طَلْحَةَ عن أبي الْيَسَرِ قال: "أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْراً، فَقلت: إنّ في الْبَيْتِ تَمْراً أَطَيب مِنْهُ. فَدَخَلَتْ مَعِي في الْبَيْتِ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا فَقَبّلْتُهَا، فَأَتَيْتُ أبَا بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فقال: اسْتُرْ عَلَى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أحَداً فَلَمْ أصْبِرْ. فأَتَيْتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فقال: اسْتُرْ علَى نَفِسِكَ وَتُبْ ولاَ تُخْبِرْ أَحْداً فَلَمْ أَصْبِرْ. فأَتَيْتُ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فقال لَهُ: "أَخَلَفْتَ غَازِياً في سَبِيلِ الله في أهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا، حَتّى تَمَنّى أَنّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلاّ تِلْكَ السّاعَةَ، حَتّى ظَنّ أَنّهُ مِنْ أهْلِ النّارِ". قال: وَأَطْرَقَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم طَوِيلاً حَتّى أوحى الله إِلَيْهِ: {أقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيْ النّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللّيْلِ إنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذّاكِرِينَ}. قال أبو الْيَسَرِ: فَأَتَيْتُهُ، فَقَرأَهَا عَلَيّ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ الله، أَلِهَذَا خَاصّةً أَمْ لِلنّاسِ عَامّةً؟ قال: "بَلْ لِلنّاسِ عامّةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَقَيْسُ بنُ الرّبِيعِ ضَعّفَهُ وَكِيعٌ وغيرُهُ. وأبو اليسر هو كعب بن عمرو قال: وَرَوَى شَرِيكٌ عن عُثْمَانَ بنِ عَبْدِ الله هذا الحديثَ مِثْلَ رِوَايَةِ قَيْسِ بنِ الرّبِيعِ. قال وفي البابِ عن أبي أُمَامَةَ وَوَاثِلَةَ بنِ الأسْقَعِ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ. - قوله: (عن وكيع بن حدس) بالحاء والدال المهملتين المضمومتين، وقد يقال بالعين بدل الحاء. قوله: (قبل أن يخلق خلقه) وفي رواية لأحمد: قبل أن يخلق السماوات والأرض (كان في عماء الخ). قال الخازن في تفسيره: قال أبو بكر البيهقي في كتاب الأسماء والصفات له قوله صلى الله عليه وسلم: كان الله ولم يكن شيء قبله، يعني لا الماء ولا العرض ولا غيرهما، وقوله (وكان عرشه على الماء) يعني خلق الماء وخلق العرش على الماء ثم كتب في الذكر كل شيء، وقوله في عماء: وجدته في كتاب عماء مقيداً بالمد، فإن كان في الأصل ممدوداً فمعناه سحاب رقيق. ويريد بقوله: في عماء أي فوق سحاب مدبراً له وعالياً عليه كما قال سبحانه وتعالى "أأمنتم من في السماء" يعني من فوق السماء وقوله تعالى "لأصلبنكم في جذوع النخل" يعني على جذوعها، وقوله ما فوقه هواء أي ما فوق السحاب هواء، وكذلك قوله (ما تحته هواء) أي ما تحت السحاب هواء وقد قيل إن ذلك العمى مقصور، والعمى إذا كان مقصوراً فمعناه لا شيء ثابت لأنه مما عمى عن الخلق لكونه غير شيء. فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق خلقه ولم يكن شيء غيره، ثم قال ما فوقه هواء وما تحته هواء: أي ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء ولا تحته هواء، لأن ذلك إذا كان غير شيء فليس يثبت له هواه بوجه. وقال الهروي صاحب الغريبين: قال بعض أهل العلم معناه أين كان عرش ربنا فخذف المضاف اختصاراً، كقوله "واسأل القرية" ويدل على ذلك قوله سبحانه وتعالى "وكان عرشه على الماء" هذا آخر كلام البيهقي. وقال ابن الأثير: العماء في اللغة: السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب، ولا بد في الحديث من حذف مضاف تقديره: أين كان عرش ربنا فخذف ويدل على هذا المحذرف قوله تعالى "وكان عرشه على الماء" وحكى عن بعضهم في العمى المقصور. أنه هو كل أمر لا يدركه الفطن. وقال الأزهري قال أبو عبيد: إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، وإلا فلا تدري كيف كان ذلك العماء. قال الأزهري: فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته، انتهى كلام الخازن. وقال السيوطي في مصباح الزجاجة: قال القاضي ناصر الدين بن المنير، وجه الإشكال في الحديث الظرفية والفوقية والتحتية، قال والجواب أن في معنى علي، وعلي بمعنى الاستيلاء، أي كان مستولياً على هذا السحاب الذي خلق منه المخلوقات كلها والضمير في فوقه يعود إلى السحاب، وكذلك تحته، أي كان مستولياً على هذا السحاب الذي فوقه الهواء وتحته الهواء، وروى بلفظ القصر في العمى. والمعنى عدم ما سواه كأنه قال: كان ولم يكن معه شيء، بل كل شيء كان عدماً عمى لا موجوداً ولا مدركاً، والهواء الفراغ أيضاً العدم كأنه قال: كان ولا شيء معه ولا فوق ولا تحت انتهى. قلت: إن صحت الرواية عمى بالقصر فلا إشكال في هذا الحديث، وهو حينئذ في معنى حديث "كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء" رواه البخاري وغيره عن عمران بن حصين، وإن صحت الرواية عماء باملد، فلا حاجة إلى تأويل بل يقال نحن نؤمن به ولا نكيفه بصفة، أي نجري اللفظ على ما جاء عليه من غير تأويل كما قال الأزهري "وخلق عرشه على الماء" وفي رواية أحمد: ثم خلق عرشه على الماء. قال الحافظ: قد روى أحمد والترمذي وصححه من حديث أبي رزين العقلي مرفوعاً: إن الماء خلق قبل العرش. وروى السدي في تفسيره بأسانيد متعددة: إن الله لم يخلق شيئاً مما خلق قبل الماء. وأما ما رواه أحمد والترمذي وصححه من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً، أول ما خلق الله القلم، ثم قال أكتب فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة فيجمع بينه وبين ما قبله بأن ألألية القلم بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى ما صدر منه من الكتابة، أي أنه قيل له أكتب أول ما خلق انتهى. قوله: (قال أحمد) أي ابن منيع (قال يزيد) أي ابن هارون في تفسير العماء المذكور في الحديث (العماء أي ليس معه شيء) كذا فسر يزيد العماء بأنه ليس معه شيء، وقد عرفت أن العماء بالمد هو السحاب الرقيق، والعمى بالقصر بمعنى ليس معه شيء. قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه. قوله: (إن الله تبارك وتعالى يملي) من الإملاء. قال في القاموس: أملاه الله أمهله (حتى إذا أخذه لم يفلته) بضم ألأله من الإفلات، أي لم يخلصه، أن إذا أهلكه لم يرفع عنه الهلاك، وهذا على تفسير الظلم بالشرك على إطلاقه، وإن فسر بما هو أعم. فيحمل كل على ما يليق به (وكذلك) أي مثل ذلك الأخذ (أخذ ربك) قرئ على أنه فعل، وعلى أنه مصدر (إذا أخذ القرى) أريد أهلها. والمعنى وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة، كذلك نفعل بأشباههم (وهي ظالمة) بالذنوب. أي فلا يغني عنهم من أخذه شيء. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه. قوله: (وقال يملي) أي بلا شك. قوله: (قال يملي ولم يشك فيه) قال الحافظ: قد رواه مسلم وابن ماجه والنسائي من طرق عن أبي معاوية يملي ولم يشك. - قوله: (فمنهم) أي فمن أهل الموقف وإن لم يذكروا. قال الزمخشري: لأن ذلك معلوم (شقي وسعيد) الشقي: من سبقت له الشقاوة في الأزل، والسعيد من سبقت له السعادة في الأزل (على شيء قد فرغ منه أو على شيء لم يفرغ منه) بالبناء للمفعول للفعلين، أي أتعمل على شيء قد فرغ الله تعالى عن قضائه، وقدره، وجرى به القلم، أو نعمل على شيء قد فرغ الله تعالى عن قضائه، وقدره، وجرى به القلم، أو نعلم على شيء لم يفرغ الله تعالى عن قضائه وقدره (ولكن كل ميسر لما خلق له) أي موفق ومهيأ لما خلق له أي لأمر قدر ذلك الأمر له من الخير والشر والتنوين عوض عن الماضف إليه. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردوبه. وأخرجه الترمذي نحوه في باب الشقاء والسعادة. - قوله: (إن عالجت امرأة) أي داعبتها وناولت منها ما يكون بين الرجل والمرأة غير أني ما جامعتها (في أقصى المدينة) أي أسفلها وأبعدها عن المسجد (ما دون أن أمسها) ما موصوله، أي أصبت منها ما يجاوز المس، أي المجامعة (وأنا هذا) أي أنا موجود وحاضر بين يديك ومنقاد لحكمك (ناقض في) أي فاحكم في حقي (ما شئت) أي أردته مما يجب عليّ كناية عن غاية التسليم والانقياد إلى حكم الله ورسوله (لو سترت على نفسك) أي لكان حسناف (فلم يرد عليه) أي على الرجل، أو على عمر (شيئاً) من الكلام انتظاراً لقضاء الله فيه رجاء أن يخفف من عقوبته (فانطلق الرجل) أي فذهب ظناً منه لسكوته عليه الصلاة والسلام أن الله سينزل فيه شيئاً، وأنه لا بد أن يبلغه، فإن كان عفواً شكر، وإلا عاد ليستوفي منه (فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي أرسل عقبه (رجلاً) ليدعوه (فتلا عليه) أي فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرجل (أقم الصلاة طرفي النهار) الغداة والعشي، أي الصبح والظهر والعصر (وزلفاً) جمع زلفة، أي طائفة (من الليل) أي المغرب والعشاء (إن الحسنات) كالصلوات الخمس (يذهبن السيئات) أي الذنوب الصغائر (ذلك ذكرى للذاكرين) عظة للمتعظين، كذا في الجلالين. وقال الرازي في تفسيره: كثرت المذاهب في تفسير طرفى النهار هي الفجر والعصر، وذلك لأن أحد طرفي النهار هو طلوع الشمس، والطرف الثاني منه غروبها. فالطرف الأول هو صلاة الفجر، والطرف الثاني لا يجوز أن يكون صلاة المغرب لأنها داخلة تحت قوله تعالى "وزلفاف من الليل" فوجب حمل الطرف الثاني على صلاة العصر انتهى. وقال مجاهد: طرفى النهار ويعني صلاة الصبح والظهر والعصر، وزلفاً من الليل: يعني صلاة المغرب والعشاء. وقال مقاتل: صلاة الصبح والظهر طرف، وصلاة العصر والمغرب طرف وزلفاً من الليل يعني صلاة العشاء. وقال الحسن: طرفى النهار الصبح والعصر، وزلفاً من الليل المغرب والعشاء وقال ابن عباس: طرفى النهار الغداة والعشي يعني صلاة الصبح والمغرب كذا في الخازن. وقال في المدارك: "وأقم الصلاة طرفى النهار" غدوة وعشية "وزلفاً من الليل" وساعات من الليل جمع زلفة، وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه، وصلاة الغدوة الفجر، وصلاة العشية الظهر والعصر. لأن ما عبد الزوال عشى، وصلاة الزلف المغرب: والعشاء انتهى. وقال في القاموس: الزلفة بالضم: الطائفة من الليل والزلف ساعات الليل الاَخذة من النهار، وساعات النهار الاَخذة من الليل انتهى. قلت: والأقرب عندي والله تعالى أعلم، ما اختاره في تفسير الجلالين والمدارك وهو قول مجاهد (فقال رجل من القوم) قيل هو عمر بن الخطاب، وقيل هو معاذ ابن جبل (هذا له) أي هذا الحكم للسائل (خاصة) أي يخصه خصوصاً، أم للناس عامة (قال بل للناس كافة) هكذا تستعمل كافة" حالاً، أي كلهم ولا يضاف فيقال كافة الناس، ولا الكافة بالألف واللام وهو معدود في تصحيف العوام ومن أشبههم، قاله النووي. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) قال الحافظ أخرجه مسلم وأصحاب السنن. قوله: (ورواية هؤلاء أصح من رواية الثوري) أي رواية أبي الأحوص وإسرائيل، وشعبة أصح من رواية سفيان الثوري. - قوله: (عن زائدة) هو ابن قدامة. - قوله: (فقال الرجل ألي هذه؟) أي الاَية، يعني خاصة بي بأن صلاتي مذهبة لمعصيتي؟ فظاهر هذا أن صاحب القصة هو السائل عن ذلك. ولأحمد والطبراني من حديث ابن عباس قال يا رسول الله: ألي خاصة أم للناس عامة؟ فضرب عمر صدره وقال: لا، ولا نعمة عين بل للناس عامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق عمر. وفي حديث أبي اليسر: فقال إنسان يا رسول الله: له خاصة. وفي رواية إبراهيم النخعي عند مسلم فقال معاذ يا رسول الله أله وحده أم للناس كافة. وللدارقطني مثله من حديث معاذ نفسه. ويحمل على تعدد السائلين عن ذلك (فقال لك ولمن عمل بها) أي بهذه الاَية بأن فعل حسنة بعد سيئة. وفي رواية للبخاري قال: لجميع أمتي كلهم. وتمسك بظاهر قوله تعالى: "إن الحسنات يذهبن السيئات" المرجئة، وقالوا: إن الحسنات تكفر كل سيئة كبيرة كانت أو صغير. وحمل الجمهور هذا المطلق على القيد في الحديث الصحيح أن الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر. فقال طائفة: إن اجتنبت الكبائر كان الحسنات كفارة لما عدا الكبائر من الذنوب، وإن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئاً. وقال آخرون: إن لم تجتنب الكبائر لم تحط الحسنات شيئاً منها وتحط الصغائر وقيل المراد إن الحسنات تكون سبباً في ترك السيئات كقوله تعالى "إن الصلاة ننهي عن الفحشاء والمنكر" لا أنها تكفر شيئاً حقيقة، وهذا قول بعض المعتزلة. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
قوله: (أرأيت رجلاً) أي أخبرني عن رجل (فليس يأتي الرجل إلى امرأته شيئاً إلا قد أتى هو إليها) يعني أنه استمتع بها بالقبلة والمعانقة وغيرهما من جميع أنواع الاستمتاع إلا الجماع. قوله: (هذا حديث ليس إسناد بمتصل الخ) وأخرجه أحمد. (وقد روى عن عمر ورآه). قال الحافظ في تهذيب التهذيب: قال ابن أبي حاتم قلت لأبي: يصح لابن أبي ليلى سماع من عمر؟ قال لا. قال أبو حاتم: روى عن عبد الرحمن أنه رأى عمر وبعض أهل العلم يدخل بينه وبين عمر البراء بن عازب وبعضهم كعب بن عجرة. وقال الاَجري عن أبي داود: رأى عمر ولا أدري بصح أم لا. وقال أبو خيثمة في مسنده حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا سفيان الثوري عن زبيد وهو الإيامي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: سمعت عمر يقول صلاة الأضحى ركعتين والفطر ركعتين الحديث. قال أبو خيثمة تفرد به يزيد بن هارون هكذا ولم يقل أحد سمعت عمر غيره، ورواه يحيى بن سعيد وغير واحد عن سفيان عن زبيد عن عبد الرحمن عن الثقة عن عمر، ورواه شريك عن زبيد عن عبد الرحمن عن عمر ولم يقل سمعت. وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه، وقد روى سماعه من عمر من طرق وليست بصحيح. وقال الخليلي في الإرشاد: الحفاظ لا يثبتون سماعه من عمر. وقال ابن المديني كان شعبة ينكر أن يكون سمع من عمر. قال ابن المديني: لم يسمع من معاذ بن جبل، وكذا قال الترمذي في العلل وابن خزيمة. وقال يعقوب بن شيبة: قال ابن معين: لم يسمع من عمر ولا من عثمان، وسمع من علي انتهى. - قوله: (تبتاع تمراً) أي تشتري (فأهويت إليها) أي ملت إليها (أخلفت غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا) قال الجزري في النهاية: يقال خلفت الرجل في أهله: إذا أقمت بعده فيهم وقمت عنه بما يفعله، والهمزة فيه للاستفهام انتهى. وفي رواية: أنه أتته امرأة وزوجها قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث إلخ (حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة) لأن الإسلام يهدم ما قبله وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في النهاية: الإطراق أن يقبل ببصره إلى صدره ويسكت ساكناً طويلاً أي إطراقاً طويلاً أو زماناً طويلاً. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه النسائي والبزار كما في الفتح. قوله: (وفي البا عن أبي أمامة ووائلة بن الأسقع وأنس بن مالك) أما حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد ومسلم وغيرهما، وأما حديث وائلة بن الأسقع فلينظر من أخرجه، وأما حديث أنس بن مالك فأخرجه الشيخان. قوله: (وأبو اليسر) بفتح التحتية والسين المهملة (اسمه كعب بن عمرو) ابن عباد السلمي بالفتح، الأنصاري صحابي بدرى جليل.
هي مكية مائة وإحدى عشرة آية بسم الله الرحمن الرحيم 3222- حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ المروزي، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عن مُحمّدِ بنِ عَمْرٍو عن أبي سَلَمَةَ عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ بْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بنَ يَعْقُوبَ بنِ إسْحَاقَ بنِ إبراهِيمَ. قال: وَلَوْ لَبَثْتُ في السّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ، ثُمّ جاءَنِي الرّسُولُ أَجَبْتُ، ثُمّ قَرَأَ {فلَمّا جَاءَهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ الّلاتِي قَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ} قال: وَرَحْمَةُ الله عَلَى لُوطٍ إنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إذ قال: {لو أن لي بكم قُوة أو آوي إلى رُكنٍ شديد} فما بَعَثَ الله مِنْ بَعْدِهِ نَبِيّا إِلاّ في ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ". 3223- حدثنا أبو كُرَيْبٍ حدثنا عَبْدَةُ وَعَبْدُ الرّحِيمِ عن مُحَمّدِ بنِ عَمْرٍو نَحْوَ حَدِيثِ الْفَضْلِ بنِ مُوسَى، إِلاّ أَنّهُ قال: "ما بَعَثَ الله بَعْدَهُ نَبِيّا إِلاّ في ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ". قال مُحمّدُ بنُ عَمْرٍو: والثّرْوَةُ: الْكَثْرَةُ وَالمَنْعَةُ. قال أبو عيسى: هذا أصَحّ مِنْ رِوَايَةِ الْفَضْلِ بنِ مُوسَى. وهذا حديثٌ حسنٌ. - قوله: (يوسف) مرفوع لأنه حبر إن، واسمها الكريم وهو ضد اللئيم، وكل نفس كريم هو متناول للصالح الجيد ديناً ودنيا. قال النووي: وأصل الكرم كثرة الخير، وقد جمع يوسف عليه الصلاة والسلام مكارم الأخلاق مع شرف النبوة. وكونه ابناً لثلاثة أنبياء متناسلين، ومع شرف رياسة الدنيا ملكها بالعدل والإحسان، وكون قوله صلى الله عليه وسلم الكريم بن الكريم إلى آخره موزوناً مقفى لا ينافي "ما علمناه الشعر" إذ لم يكن هذا بالقصد بل وقع بالاتفاق، والمراد صنعة الشعر (ولمو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الرسول أجبت) أي لأسرعت الإجابة في الخروج من السجن ولما قدمت طلب البراءة، فوصف بشدة الصبر حيث لم يبادر بالخروج، وإنما قاله صلى الله عليه وسلم تواضعاً، والتواضع لا يحط مرتبة الكبير بل يزيده رفعة وجلالاً، وقيل هو من جنس قوله: لا تفضلوني على يونس. وقد قيل إنه قاله قبل أن يعلم أنه أفضل من الجميع (فلما جاءه) أي يوسف (الرسول) وطلبه للخروج (قال) أي يوسف قاصداً إظهار براءته (ارجع إلى ربك) أي إلى سيدك وهو الملك (فاسأله) أن يسأل (ما بال) حال (النسوة اللاتي قطعن أيديهن) لم يصرح بذكر امرأة العزيز أدباً واحتراماً لها (ورحمة الله على لوط إن كان ليأوى إلى ركن شديد) أي إلى سبحانه وتعالى، يشير صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: "لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد" ويقال إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه، لأنهم من سدوم وهي من الشام، وأصل إبراهيم ولوط من العرق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام هاجر معه لوط، فبعث الله لوط إلى أهل سدوم، فقال لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة، لكنت استنصر بهم عليكم ليدفعوا عن ضيفاني، ولهذا جاء في بعض طرق هذا الحديث، كما أخرجه أحمد، قال لوط "لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد" قال: فإنه كان يأوى إلى ركن شديد، ولكنه عني عشيرته، فما بعث الله نبياً إلا في ذروة من قومه زاد ابن مردويه: ألم تر إلى قول قوم شعيب: "ولولا رهطك لرجمناك" وقيل معنى قوله: لقد كان يأوى إلى ركن شديد: أي إلى عشيرته لكنه لم يأو إليهم وآوى إلى الله انتهى، والأول أظهر. وقال الجزري في النهاية: في الحديث أنه قال رحم الله لوطاً إنه كان يأوى إلى ركن شديد: أي إلى الله تعالى الذي هو أشد الأركان وأقواها. وإنما ترحم عليه لسهوه حين ضاق صدره من قومه حتى قال: أو آوى إلى ركن شديد، أراد عز العشيرة الذين يستند إليهم كما يستند إلى الركن من الحائط (فما بعث الله من بعده) أي بعد لوط عليه السلام (إلا في ذروة من قومه) بضم الذال وكسرها، أي أعلا نسب قومه. قوله: (حدثنا عبدة) بن سليمان الكلابي (وعبد الرحيم) بن سليمان الأشل. قوله: (في ثروة من قومه) بفتح المثلثة وسكون الراء: في عدد كثير من قومه. قال في النهاية: الثروة العدد الكثير، وإنما خص لوطاً لقوله: "لو أدلى بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد". قوله: (الثروة الكثرة والمنعة) يقال فلان في عز ومنعة بفتحتين وقد تسكن النون، وقيل المنعة جمع مانع مثل كافر وكفرة، أي هو في عز ومن يمنعه من عشيرته (وهذا حديث حسن) وأصله في الصحيحين.
مكية إلا (ولا يزال الذين كفروا) الاَية "ويقول الذين كفروا لست مرسلاً" الاَية أو مدنية إلا (ولو أن قرآناً) الاَيتين ثلاث أو أربع أو خمس أو ست وأربعون آية بسم الله الرحمن الرحيم 3224- حدثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا أبو نُعَيْمٍ، عن عَبْدِ الله بنِ الْوَلِيدِ، وكَانَ يَكُونُ في بَنِي عِجْلٍ، عن بُكَيْرٍ بنِ شِهَاب، عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "أَقْبَلْتْ يَهُودُ إِلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يَا أَبا الْقَاسِمِ، أَخْبِرْنَا عَنْ الرّعْدِ مَا هُوَ؟ قال: "مَلَكٌ مِنَ المَلاَئكةِ مُوَكّلٌ بِالسّحَابِ، مَعَهُ مَخَارِيقُ مِنْ نَارٍ يَسُوقُ بها السّحَابِ حَيْثُ شَاءَ الله". فقالُوا: فَمَا هَذَا الصّوْتُ الّذِي نَسْمَعُ؟ قال: "زَجْرَهُ بالسّحَابِ إذا زَجَرَهُ حَتّى يَنْتَهِي إِلَى حَيثُ أُمِرَ". قالُوا: صَدَقْتَ. فقالُوا: فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ. قال: "اشْتَكَى عِرْقَ النّسَا فلَمْ يَجِدْ شَيْئاً يُلائِمُهُ إِلاّ لُحُومَ الاْبِلِ وَأَلْبَانَهَا، فَلِذَلِكَ حَرّمَهَا. قالُوا: صَدَقْتَ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. 3225- حدثنا مَحمُودُ بنُ خِدَاشٍ الْبَغْدَادِيّ، أخبرنا سَيْفُ بنُ مُحمّدٍ الثّوْرِيّ عن الأعمَشِ عن أبي صَالحٍ عن أبي هُرَيْرَةَ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَنُفَضّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأُكُلِ} قال الدّقَلُ وَالْفارِسِيّ وَالْحُلْوُ وَالْحَامِضُ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وقد رَوَاهُ زَيْدُ بنُ أبي أُنَيْسَةَ عن الأعمَشِ نحْوَ هَذا. وَسَيْفُ بنُ مُحمّدِ هُوَ أخُو عَمّارِ بنِ مُحمّدٍ. وَعَمّارٌ أَثْبَتَ مِنْهُ، وَهُوَ ابنُ أُخْتِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ. - قوله: (عن عبد الله بن الوليد وكان يكون في بني عجل) أي كان يسكن فيهم ولذلك يقال له العجلى وعبد الله بن الوليد، وهذا هو ابن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني الكوفي. روى عن بكير بن شهاب وعيره، وعنه أبو نعيم وغيره، ثقة من السابعة (عن بكير بن شهاب) الكوفي مقبول من السادسة. قوله: (فقالوا يا أبا القاسم) هو كنية النبي صلى الله عليه وسلم (معه مخاريق) جمع مخراق. وهو في الأصل ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً، وأراد به هنا آلة تزجر بها الملائكة السحاب (يسوق) أي الملك الموكل بالسحاب (بها) أي بتلك المخاريق (زجرة) أي هو زجره (إذا زجرة) أي إذا ساقه. قال الله تعالى: "فالزاجرات زجرا" يعني الملائكة تزجر السحاب، أي تسوقه (حتى ينتهي) أي يصل السحاب (إلى حيث أمر) بصيغة المجهول (عما حرم إسرائيل) هو يعقوب علي وعلى نبينا الصلاة والسلام (قال اشتكي) أي يعقوب (عرق النساء) بفتح النون والألف المقصورة: هو وجع يبتديء من مفصل الورك وينزل من جانب الوحشى على الفخذ، وربما امتد إلى الركبة وإلى الكعب، وسمى المرض باسم المحل، لأن النسا بالفتح والقصر: وريد يمتد على الفخذ من الوحشى إلى الكعب. وجرى العادة بأن يسمى وجع النسا بعرق النسا، وتقدير الكلام: وجع العرق الذي هو النسا (فلم يجد شيئاً) أي من المأكولات والمشروبات (يلائمه) أي يوافقه، صفة لقوله شيئاً (حرمها) أي لحوم الإبل وألبانها، وفي رواية الترمذي هذه، إجمال توضحه رواية أحمد من طريق هاشم ابن القاسم عن عبد الحميد عن شهر عن ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. الحديث، وفيه: فقال أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضاً شديداً وطال سقمه، فنذر لله نذراً لئن شفاه الله منسقمه ليحر من أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها، فقالوا: اللهم نعم. قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه أحمد والنسائي. قوله: (أخبرنا سيف بن محمد الثوري) الكوفي ابن أخت سفيان الثوري، نزل بغداد كذبوه من صغار الثامنة. قوله: (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) بضم الهمزة والكاف: أي في الطعم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (الدقل) بفتحتين، رديء التمر ويابسه (والفارسي) نوع من التمر والاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا، وفي الأرض قطع: بقاع مختلفة، متجاورات: متلاصقات، فمنها طيب وسبخ، وقليل الريع وكثيره، وهو من دلائل قدرته تعالى، وجنات: بساتين من أعناب. وزرع: بالرفع عطفاً على جنات والجر على أعناب، وكذا قوله: ونخيل صنوان: جمع صنو، وهي النخلات يجمعها أصل واحد وتتشعب فروعها، وغير صنوان: منفردة، يسقى: بالتاء أي الجنا وما فيها والياء أي المذكور، بماء واحد ونفضل: بالنون والياء، بعضها على بعض في الأكل: بضم الكاف وسكونها، فمن حلو وحامض، وهو من دلائل قدرته تعالى "إن في ذلك لاَيات لقوم يعلقون" يتدبرون. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه البزار وابن جرير وابن المنذر. قأن قلت: في سنده سيف بن محمد وقد كذبوه، فكيف حسنه الترمذي. قلت: لم ينفرد هو برواية هذا الحديث بل تابعه زيد بن أبي أنيسة، كما صرح به الترمذي بقوله، وقد رواه زيد بن أبي أنيسة عن الأعمش (وعمار أثبت منه). قال في التقريب: عمار بن محمد الثوري أبو اليقظان الكوفي ابن أخت سفيان الثوري، سكن بغداد صدوق يخطئ وكان عابداً من الثامنة.
هي مكية سوى آيتين وهما قوله سبحانه وتعالى (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً) إلى آخر الايتين، وهي إحدى، وقيل اثنتان وخمسون آية بسم الله الرحمن الرحيم 3226- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا أبو الْوَلِيدِ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن شُعَيْبِ بنِ الْحَبْحَابِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قال: "أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِقِنَاعٍ عَلَيْهِ رُطَب فقال: "مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيّبَةٍ كَشَجَرَةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا في السّماءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلّ حِينٍ بإِذْنِ رَبّهَا" قال: هِيَ النّخْلَة. {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتثّتْ منْ فَوْقِ الأرْضِ مَالَهَا مِنْ قَرَارٍ}. قال: "هِيَ الْحَنْظَلَةُ". قال: فأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا الْعَالِيَةِ. فقال: صَدَقَ وَأَحْسَنَ. 3227- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا أبو بَكْرٍ بنِ شُعَيْبِ بنِ الْحَبْحَابِ عن أبِيهِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. ولم يَرْفَعْهُ، ولم يَذْكُرْ قَوْلَ أبي الْعَالِيَةِ. وهذا أصَحّ من حديثِ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَرَوَى غيرُ وَاحِدٍ مِثْلَ هذا مَوقُوفاً. ولا نَعْلَمُ أَحَداً رَفَعَهُ غيرَ حَمّادِ بنِ سَلَمَةَ. وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ وَحَمّادُ بنُ زَيْدٍ وغيرُ وَاحِدٍ ولم يَرْفَعُوهُ. 3228- حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ عن شُعَيْبِ بنِ الْحَبْحَابِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ نحْوَ حَدِيثِ قتيبة ولم يَرْفعَهُ. 3229- حدثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أبو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ أخبرني عَلْقَمَةُ بنُ مَرْثَدٍ، قال سَمِعْتُ سَعد بنَ عُبَيْدَةَ يُحَدّثُ عن الْبَرَاءِ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {يُثَبّتُ الله الّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ في الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَفِي الاَخِرَةِ} قال: "في الْقَبْرِ إذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيّكَ؟". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 3230- حدثنا ابنُ أبي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ عن دَاوُدَ بنِ أبي هِنْدٍ عن الشّعْبِيّ عن مَسْرُوقٍ قال: "تَلَتْ عائِشَةُ هَذِه الاَيةَ: {يَوْمَ تُبَدّلُ الأرْضُ غَيْرَ الأرْضِ} قالَتْ: يَا رَسُولَ الله فَأَيْنَ يَكُونُ النّاسُ؟ قال: "عَلَى الصّرَاطِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقد رُوِيَ من غيرِ هذا الْوَجْهِ عن عائِشَةَ. - قوله: (أخبرنا أبو الوليد) هو الطيالسي (عن شعيب بن الحبحاب) الأزدي مولاهم، كنيته أبو صالح البصري ثقة من الرابعة. قوله: (أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع) بكسر القاف وخفة النون هو الطبق الذي يؤكل عليه (مثل كلمة طيبة) أي لا إله إلا الله (كشجرة طيبة أصلها ثابت) أي في الأرض (وفرعها) أي أعلاها ورأسها (في السماء) أي ذاهبة في السماء (تؤتي) أي تعطي (أكلها) أي ثمرها (كل حين بإذن ربها) أي بأمر ربها. والحين في اللغة: الوقت، يطلق على القليل والكثير. واختلفوا في مقداره ههنا، فقال مجاهد وعكرمة: الحين هنا سنة كاملة، لأن النخلة تثمر في كل سنة مرة واحدة. وقال سعيد بن جبير وقتادة والحسن ستة أشهر، يعني من وقت طلعها إلى حين صرامها، وروى ذلك عن ابن عباس أيضاً. وقال علي بن أبي طالب: ثمانية أشهر، يعني أن مدة حملها باطناً وظاهراً ثمانية أشهر، وقيل أربعة أشهر من حين ظهور حملها إلى إدراكها. وقال سعيد بن المسيب: شهران، يعني من وقت أن يؤكل منها إلى صرامها. وقال الربيع بن أنس: كل حين يعني غدوة وعشية، لأن ثمر النخل يؤكل أبداً ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاءاً فيؤكل منها الجمار والطلع والبلح والخلال والبسر والمنصف والرطب، وبعد ذلك يؤكل التمر اليابس إلى حين الطري الرطب. فأكلها دائم في كل وقت. كذا في الخازن (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ومثل كلمة خبيثة) أي كلمة الكفر والشرك (اجتثت) يعني استؤصلت وقطعت (مالها من قرار) أي ما لهذه الشجرة من ثبات في الأرض، لأنها ليس لها أصل ثابت في الأرض ولا فرع صاعد إلى السماء (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (هي) أي الشجرة الخبيثة (الحنظلة) هي نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جداً ويضرب المثل بمرارته (قال فأخبرت بذلك) أي قال شعيب بن الحجاب فأخبرت أنس هذا (فقال) أي أبو العالية (صدق) أي أنس وحديث أنس هذا رواه أبو يعلى في مسنده نحو رواية. الترمذي، وفيه كذلك كنا نسمع مكان صدق وأحسن. قوله: (أخبرنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب) الأزدي البصري، قيل. إسمه عبد الله، ثقة من السابعة. - قوله: (في قوله يثبت الله) أي في تفسير قوله تعالى: "يثبت الله" إلخ (بالقول الثابت) هو كلمة التوحيد، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (في الحياة الدنيا) بأن لا يزالوا عنه إذا فتنوا في دينهم، ولم يرتابوا بالشبهات وإن ألقوا في النار، كما ثبت الذين فتنهم أصحاب الأخدود وغيرهم (وفي الاَخرة) أي في القبر، بتلقين الجواب وتمكين الصواب، وهو قول الجمهور. ويدل عليه قوله (قال في القبر) أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزلت هذه الاَية في عذاب القبر، ففي رواية الشيخين: نزلت في عذاب القبر. قال الكرماني: ليس في الاَية ذكر عذاب القبر، فلعله سمى أحوال العبد في قبره عذاب القبر تغليباً لفتنة الكافر على فتنة المؤمن لأجل التخويف، ولأن القبر مقام الهول والوحشة. ولأن ملاقاة الملائكة مما يهاب منه ابن آدم في العادة (إذا قيل له) أي لصاحب القبر (من ربك وما دينك ومن تبيك) فإن كان مؤمناً أزال الله الخوف عنه، وثبت لسانه في جواب الملكين فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبي محمد. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) أخرجه الجماعة. - قوله: (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال صاحب فتح البيان في تفسير هذه الاَية (يوم) أي اذكر وارتقب يوم (تبدل الأرض) المشاهدة (غير الأرض) ولتبديل قد يكون في الذات كما في بدلت الدراهم بالدنانير، وقد يكون في الصفات كما في بدلت الحلقة خاتمك، والاَية تحتمل الأمرين، وبالثاني قال الأكثر والسماوات: أي وتبدل السماوات غير السماوات لدلالة ما قبله عليه على الاختلاف الذي مر، وتقديم تبديل الأرض لقربانها ولكون تبديلها أعظم أثراً بالنسبة إلينا. أخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان. قال: جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الظلمة دون الجسر. وأخرج مسلم وغيره أيضاً من حديث عائشة قالت: أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عن هذه الاَية، قلت: أين الناس يومئذ؟ قال على الصراط. والصحيح على هذا إزالة عين هذه الأرض. وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في في الأوسط، والبيهقي وابن عساكر وابن مردويه عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله: يوم تبدل الأرض غير الأرض. قال: أرض بيضاء كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام ولم يعمل بها خطيئة. قال البيهقي: والموقوف أصح. وفي الباب روايات وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقي وفيهما أيضاً من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده. الحديث. وقد أطال القرطبي في بيان ذلك في تفسيره وفي تذكرته: وحاصله أن هذه الأحاديث نص في أن الأرض والسماوات تبدل وتزال ويخلق الله أرضاً أخرى تكون عليها الناس بعد كونهم على الجسر وهو الصراط لا كما قال كثير من الناس: إن تبديل الأرض عبارة عن تغيير صفاتها وتسوية آكامها ونسف جبالها ومد أرضها، ثم قال وذكر شبيب بن إبراهيم في كتاب الإفصاح أنه لا تعارض بين هذه الآثار وأنهما تبدلان كرتين إحداهما، هذه الأولى قبل نفخة الصعق، والثانية إذا وقفوا في المحشر وهي أرض عفراء من فضة لم يسفك عليها دم حرام ولا جرى عليها ظلم، ويقوم الناس على الصراط على متن جهنم، ثم ذكر في موضع آخر من التذكرة ما يقتضي أن الخلائق وقت تبديل الأرض تكون في أيدى الملائكة، رافعين لهم عنها قال في لجمل: فتحصل من مجموعة كلامه أن تبديل هذه الأرض بأرض أخرى من فضة يكون قبل الصراط، وتكون الخلائق إذ ذاك مرفوعة في أيدي الملائكة، وأن تبديل الأرض بأرض من خبز يكون بعد الصراط، وتكون الخلائق إذا ذاك على الصراط، وهذه الأرض خاصة بالمؤمنين عند دخولهم الجنة انتهى ما في فتح البيان (فأين يكون الناس قال على الصراط) وعند مسلم من حديث ثوبان مرفوعاً: يكونون في الظلمة دون الجسر، وجمع بينهما البيهقي بأن المراد بالجسر الصراط. وأن في قوله على الصراط مجازاً لكونهم يجاوزونه، لأن في حديث ثوبان زيادة يتعين المصير إليها لثبوتها، وكأن ذلك عند الزجرة التي تقع عند نقلهم من أرض الدنيا إلى أرض الموقف، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: "كلا إذ دكت الأرض دكاً دكاً وجاء ربك والملك صفاً صفاً وجيء يومئذ بجهنم" كذا في الفتح. قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه.
هي مكية بأجماعهم، وهي تسع وتسعون آية بسم الله الرحمن الرحيم 3231- حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا نُوحُ بنُ قَيْسٍ الْحُذامِيّ عن عَمْرِو بنِ مَالِكٍ عن أبي الْجَوْزَاءِ عن ابنِ عَبّاسٍ قال: "كَانَتْ امْرَأَةٌ تُصَلّي خَلْفَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حَسْنَاء مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ، وَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَتَقَدّمُ حَتّى يَكُونَ في الصّفّ الأوّلِ لئلا يَرَاهَا، وَيَسْتَأْخِرُ بَعْضُهُمْ حَتّى يَكُونَ في الصّفّ المُؤَخّرِ، فَإِذَا رَكَعَ نَظَرَ مِنْ تَحْتِ إِبْطَيْهِ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المُسْتَأْخِرِينَ}. قال أبو عيسى: وَرَوَى جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمانَ هذا الحديثَ عن عَمْرِو بنِ مالِكٍ عن أبي الْجَوْزَاءِ نحْوَهُ، ولم يَذْكُرْ فيه عن ابنِ عَبّاسٍ. وهذا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ نُوحٍ. 3232- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عُثْمانُ بنُ عُمَرَ عن مالِكِ بنِ مِغْوَلٍ عن حُمَيْدٍ عن ابنِ عُمَرَ، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَال: "لِجَهَنّمَ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ: بَابٌ مِنْهَا لِمَنْ سَلّ السّيْفَ عَلَى أُمّتِي، أَوْ قَالَ عَلَى أُمّةِ مُحمّدٍ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديثِ مالِكِ بنِ مِغْوَلٍ. 3233- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا أَبو عَلِيّ الْحَنَفِيّ عن ابنِ أبي ذِئْبٍ عن المَقْبُرِيّ عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "الْحَمْدُ لله أُمّ الْقُرْآنِ وَأُمّ الْكِتَابِ وَالسّبْعُ المَثَاني". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. 3234- حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عن عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن الْعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عن أبِيهِ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن أُبَيّ بنِ كَعْبٍ قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما أَنْزَلَ الله في التّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، مِثْلَ أُمّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السّبْعُ المَثَاني، وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي ما سَأَلَ". 3235- حدثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بنِ مُحمّدٍ عن الْعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عن أبِيهِ عن أبي هُرَيْرَةَ "أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أُبَيّ وَهُوَ يُصَلّي فَذَكَرَ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. قال أبو عيسى: حديثُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بنِ مُحمّدٍ أَطْوَلُ وَأَتَمّ. وهذا أَصَحّ من حديثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ. وهكَذا رَوَى غيرُ وَاحِدٍ عن الْعَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ. 3236- حدثنا أَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ، أخبرنا المُعْتَمِرُ بن سليمان عن لَيْثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ عن بِشْرٍ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {لَنَسْأَلَنّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} قال: "عَنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلاّ الله". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ إنما نَعْرِفُهُ من حديثِ لَيْثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ. وقد رَوَاهُ عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ عن لَيْثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ، عن بِشْرٍ عن أَنَسِ بنِ مالِكٍ نحْوَهُ ولم يَرْفَعْهُ. 3237- حدثنا مُحمّدُ بنُ إِسماعِيلَ، أخبرنا أَحْمَدُ بنُ أَبي الطّيّبِ، أخبرنا مُصْعَبُ بنُ سَلاّمٍ، عن عَمْرِو بنِ قَيْسٍ، عن عَطَيّةَ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قال: قال: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "اتّقُوا فِرَاسَةَ المُؤْمِنِ، فإِنّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ الله، ثُمّ قَرَأَ: {إنّ في ذَلِكَ لاَيَاتٍ للْمُتَوَسّمِينَ}". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ إنما نَعْرِفُهُ من هذا الْوَجْهِ. وقد رُوِيَ عن بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وتَفْسِيرِ هذه الاَيةِ: {إِنّ في ذَلِكَ لاَيَاتِ لِلْمُتَوَسّمِينَ}، قال: لِلْمُتَفَرّسِينَ. - قوله: (حدثنا نوح بن قيس الحداني) بضم المهملة الأولى وتشديد الثانية آخره نون قبل ياء النسبة (عن عمرو بن مالك) هو النكري. قوله: (فأنزل الله تعالى ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال ابن جرير رحمه الله في تفسيره: اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم معنى ذلك: ولقد علمنا من مضى من الأمم فتقدم هلاكهم، ومن قد خلق وهو حي، ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق، ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول من الأئمة. ثم قال وقال آخرون: عني بالمستقدمين الذين قد هلكوا، ومن قد خلق وهو حيى، ومن لم يخلق بعد ممن سيخلق، ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول من الأئمة. ثم قال وقال آخرون: عني بالمستقدمين الذين قد هلكوا، والمستأجرين: الأحياء، الذين لم يهلكوا ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول ثم قال: وقال آخرون بل معناه ولقد علمنا المستقدمين في أول الخلق والمستأخرين في آخرهم. وذكر أسماء القائلين بهذا القول، ثم قال: وقال آخرون بل معنى ذلك: ولقد علمنا المستقدمين من الأمم، والمستأخرين: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول، ثم قال: وقال آخرون بل معناه: ولقد علمنا المستقدمين منكم: في الخير. والمستأخرين: عنه، ثم ذكر أسماء من قال بهذا القول، ثم قال: وأولى الأقوال عندي في ذلك بالصحة قول من قال: معنى ذلك، ولقد علمنا الأموات منكم يا بني آدم فتقدم موته، ولقد علمنا المستأخرين الذين استأخر موتهم ممن هو حيى ومن هو حادث منكم ممن لم يحدث بعد. لدلالة ما قبله من الكلام وهو قوله: "وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون" وما بعده وهو قوله (وإن ربك هو يحشرهم) على أن ذلك كذلك، إذ كان بين هذين الخبرين ولم يجر قبل ذلك من الكلام ما يدل على خلافه ولا جاء بعد، وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء والمستأخرين فيه. لذلك انتهى كلام ابن جرير ملخصاً. قلت: لو صح حديث ابن عباس هذا لكان هو أولى الأقوال لكن الأشبه أنه قول أبي الجوزاء كما صرح به الترمذي. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره بعد ذكر حديث ابن عباس هذا ما لفظه: وهذا فيه نكارة شديدة، وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره، ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سنيهما وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما. وحكى عن ابن معين تضعيفه، وأخرج له مسلم وأهل السنن، وهذا الحديث فيه نكارة شديدة. وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان عن عمرو ابن مالك وهو النكرى، أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: (ولقد علمنا المستقدمين منكم) في الصفوف في الصلاة والمستأخرين، والظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط ليس فيه لابن عباس ذكر. وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح ابن قيس. - قوله: (عن جنيد عن ابن عمر) قال في التقريب: جنيد عن ابن عمر قيل ولم يسمع منه، مستور من الخامسة. وفي تهذيب التهذيب: جنيد غير منسوب. قال أبو حاتم: حديثه عن ابن عمر مرسل وذكره ابن حبان في الثقات. قوله: (لمن سل السيف) أي حمله عليها، وأصل السل انتزاعك الشيء وإخراجه في رفق، وأورد الترمذي هذا الحديث في تفسير قوله تعالى: "لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم". قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في تاريخه. - قوله: (حدثنا أبو علي الحنفي) اسمه عبيد الله بن عبد المجيد البصري، صدوق من التاسعة. قوله: (الحمد لله أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني) قال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما جاء في فاتحة الكتاب وسميت أم الكتاب، لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف ويبدأ بقراءتها في الصلاة. قال الحافظ: هو كلام أبي عبيدة في أول مجاز القرآن لكن لفظه: ولسور القرآن أسماء، منها أن الحمد لله تسمى أم الكتاب لأنه يبدأ بها في أول القرآن وتعاد قراءتها فيقرأ بها في كل ركعة قبل السورة، ويقال لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها في المصاحف فتكتب قبل الجميع انتهى. وبهذا تبين المراد مما اختصره المصنف. وقال غيره: سميت أم الكتاب لأن أم الشيء ابتداؤه وأصله، ومنه سميت مكة أم القرى، لأن الأرض دحيت من تحتها. وقال بعض الشراح: التعليل بأنها يبدأ بها يناسب تسميتها فاتحة الكتاب لا أم للكتاب. والجواب: أنه يتجه ما قال بالنظر إلى أن اللام مبدأ الولد وقيل سميت أم القرآن. لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على الله والتعبد بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وعلى ما فيها من ذكر الذات والصفات والفعل، واشتمالها على ذكر المبدأ أو المعاد والمعاش انتهى. وإنما سميت الفاتحة بالسبع المثاني، لأنها سبع آيات. واختلف في تسميتها بالمثاني. فقيل لأنها تثنى في كل ركعة، أي تعاد. وقيل لأنها يثنى بها على الله تعالى. وقيل لأنها استثنت لهذه الأمة لم تنزل على من قبلها. قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري وأبو داود. - قوله: (وهي السبع المثاني) جمع مثناة من التثنية، أو جمنع مثنية فإنها تثنى في كل صلاة (وهي مقسومة بيني وبين عبدي) قال العلماء: المراد قسمتها من جهة المعنى، لأن نصفها الأول: تحميد لله تعالى وتمجيد، وثناء عليه وتفويض إليه. والنصف الثاني: سؤال وطلب وتضرع وافتقار (ولعبدي ما سأل) أي بعينه إن كان وقوعه معلقاً على السؤال وإلا فمثله من رفع درجة ودفع مضرة ونحوهما. وأورد الترمذي هذين الحديثين في تفسير قوله تعالى: "ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظم، ومن هذه تحتمل أن تكون للتبيين، ويدل على ذلك الحديثان المذكوران، ويحتمل أن تكون للتبعيض. وعلى هذا المراد من المثاني القرآن كله، فيكون معنى الكلام: ولقد آتيناك سبع آيات مما يثنى بعض آية بعضاً، وإذا كان ذلك كذلك كانت المثاني جمع مثناة، وتكون آي القرآن موصوفة بذلك لأن بعضها تثنى بعضاً، وبعضها يتلو بعضاً بفصول تفصل بينها، فيعرف إنقضاء الاَية وابتداء التي تليها كما وصفها به الله تعالى فقال: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم. وقد يجوز أن يكون معناها كما قال ابن عباس والضحاك ومن قال ذلك: إن القرآن إنما قيل له مثاني لأنه القصص والأخبار كررت فيه مرة بعد أخرى. قوله: (أخبرنا عبد العزيز بن محمد) هو الدراوردي (حديث عبد العزيز ابن محمد أطول وأتم) حديث عبد العزيز بل محمد هذا تقدم بطوله وتمامه في باب فضل فاتحة الكتاب (وهذا أصح من حديث عبد الحميد بن جعفر). قال الحافظ في الفتح: قد اختلف فيه على العلاء أخرجه الترمذي من طريق الدراوردي، والنسائي من طريق روح بن القاسم، وأحمد من طريق عبد الرحمن ابن إبراهيم، وابن خزيمة من طريق حفص بن ميسرة، كلهم عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أبيّ بن كعب فذكر الحديث، وأخرجه الترمذي وابن خزيمة من طريق عبد الحميد بن جعفر، والحاكم من طريق شعبة كلاهما عن العلاء مثله، لكن قال عن أبي هريرة عن أبي ابن كعب، ورجح الترمذي كونه من مسند أبي هريرة. وقد أخرج الحاكم أيضاً من طريق الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب، وهو مما يقوى ما رجحه الترمذي انتهى. - قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري رحمه الله (أخبرنا أحمد ابن أبي الطيب) البغدادي، أبو سليمان المعروف بالمروزي، صدوق حافظ له أغلاط، ضعفه بسببها أبو حاتم، وماله في البخاري سوى حديث واحد متابعة وهو من العاشرة (أخبرنا مصعب بن سلام) بتشديد الللام التميمي الكوفي نزيل بغداد صدوق له أوهام من الثامنة (عن عمرو بن قيس) الملائي الكوفي (عن عطية) هو ابن سعد العوفي. قوله: (اتقوا فراسة المؤمن) الفراسة بالكسر، اسم من قولك: تفرست في فلان الخير، وهي على نوعين، أحدهما: ما دل عليه ظاهر الحديث، وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بذلك أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الحدس والنظر والظن والتثبت. والنوع الثاني: ما يحصل بدلائل التجارب والخلق والأخلاق تعرف بذلك أحوال الناس أيضاً. وللناس في علم الفراسة تصانيف قديمة وحديثه، كذا في النهاية والخازن. وقال المناوي: اتقوا فراسة المؤمن، أي اطلاعه على ما في الضمائر بسواطع أنوار أشرقت على قلبه، فتجلت له بها الحقائق (فإنه ينظر بنور الله) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى. وأصل الفراسة: أن بصر الروح متصل ببصر العقل في عيني الإنسان فالعين جارحة والبصر من الروح، وإدراك الأشياء من بينهما، فإذا تفرغ العقل والروح من أشغال النفس أبصر الروح وأدرك العقل ما أبصر الروح، وإنما عجز العامة عن هذا الشغل أرواحهم بالنفوس واشتباك الشهوات بها فشغل بصر الروح عن درك الأشياء الباطنة ومن أكب على شهواته وتاغل عن العبودية حتى خلط على نفسه الأمور وتراكمت عليه الظلمات، كيف يبصر شيئاً غاب عنه (ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن في ذلك لاَيات للمتوسمين) قال ابن عباس: للناظرين، وقال قتادة: للمعترين، وقال مقاتل: للمتفكرين، وقال مجاهد: للمتفرسين. قال الخازن: ويعضد هذا للتأويل ما روى عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اتقوا فراسة المؤمن الخ. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه البخاري في التاريخ وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب. وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن عدي عن أبي أمامة وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر، وأخرجه أيضاً ابن جرير عن ثوبان، وأخرجه أيضاً ابن جرير والبزار عن أنس مرفوعاً بلفظ: إن لله عباداً يعرفون الناس بالتوسم. قوله: (وقد روى عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الاَية الخ) روى ابن جرير في تفسيره بإسناده عن مجاهد: إن في ذلك لاَيات للمتوسمين" قال: للمتفرسين انتهى. وأصل التوسم: التثبت والتفكر، تفعل مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير ألأ البقر، وقيل أصله الاستقصاء التعرف، يقال توسمت: أي تعرفت مستقصياً وجوه التعرف، وقيل هو من الوسم بمعنى العلامة، ولأهل العلم والفضل في الفراسة أخبار وحكايات معروفة، فمنها ما ذكره الحافظ في توالي التأسيس، قال الساجي: حدثنا أبو داود السجستاني، حدثنا قتيبة، حدثني عبد الحميد قال: خرجت أنا والشافعي من مكة فلقينا رجلاً يالأبطح، فقلت للشافعي اركن ما للرجل، فقال نجار أو خياط، قال فلحقته فقال كنت نجاراً وأنا خياط: وأخرج الحاكم من وجه آخر عن قتيبة قال: رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة، فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه: تعال حتى نركن على هذا الاَتي، أي حرفة معه؟ فقال أحدهما: خياط، وقال الاَخر: نجار، فبعثا إليه فسألاه فقال: كنت خياطاً وأنا اليوم نجاراً. قال الحافظ: وسند كل من القصتين صحيح، فيحمل على التعدد، والركن: الفراسة وأخرج البيهقي من طريق المزني قال: كنت مع الشافعي في الجامع إذا دخل رجل يدور على النيام، فقال الشافعي للربيع: قم فقل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه؟ قال الربيع: فقمت إليه، فقلت له، فقال نعم، فقلت تعال. فجاء إلى الشافعي فقال أين عبدي؟ فقال: مر تجده في الحبس، فذهب الرجل فوجده في الحبس، قال المزني فقلت له: أخبرنا فقد حيرتنا، فقال نعم، رأيت رجلاً دخل من باب المسجد يدور بين النيام، فقلت يطلب هارباً، ورأيته يجيء إلى السودان دون البيض، فقلت: هرب له عبد أسود، ورأيته يجيء إلى ما يلي العين اليسرى، فقلت: مصاب بإحدى عينيه، قلنا: فما يدريك أنه في الحبس؟ قال: الحديث في العبيد إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا فتأولت أنه فعل أحدهما، فكان كذلك. - قوله: (عن بشر عن أنس) قال في التقريب: بشر عن أنس، قيل هو ابن دينار، مجهول من السادسة. وقال في تهذيب التهذيب: بشر غير منسوب عن أنس في قوله: "لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون" وغير ذلك، وعنه ليث بن أبي سليم، قيل إنه بشر بن دينار، قال الحافظ: كذا قال ابن حبان في الثقات، وزاد في الرواة عنه محمد بن عثمان: وقد اختلف فيه على ليث اختلافاً كثيراً. قوله: (في قوله لنسألنهم أجمعين) قبله: فوربك قال الخازن: أقسم الله بنفسه أنه يسأل هؤلاء المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين (عما كانوا يعملون) يعني عما كانوا يقولونه في القرآن، وقيل عما كانوا يعملون من الكفر والمعاصي، وقيل يرجع الضمير "في لنسألنهم" إلى جميع الخلق المؤمن والكافر، لأن اللفظ عام فحمله على العموم أولى، انتهى كلام الخازن (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (عن قول لا إليه إلا الله) وبه قال جماعة من أهل العلم، ولكن هذا الحديث ضعيف. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم (وقد رواه عبد الله بن إدريس عن ليث ابن أبي سليم الخ) وصل هذه الطريقة الموقوفة ابن جرير في تفسيره.
مكية إلا (وإن عاقبتم) إلى آخرها وهي مائة وثمان وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم 3238- حدثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ عاصِمٍ، عن يَحْيَى الْبَكّاء، حدثني عبْدُ الله بنُ عُمَرَ، قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ الْخَطّابِ يقولُ: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَرْبَعٌ قَبْلَ الظّهْرِ بَعْدَ الزّوَالِ تُحْسَبُ بِمِثْلِهنّ مِنْ صَلاَةِ السّحَرِ. قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: وَلَيْسَ مِنْ شَيْء إِلاّ وَهُوَ يُسَبّحُ الله تِلْكَ السّاعَةَ، ثُمّ قَرَأَ: {يتفيّؤُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشّمائِلِ سُجّداً لله وَهُمْ دَاخِرُونَ} الاَيةِ كُلّهَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إلاّ من حديثِ عَلِيّ بنِ عاصِمٍ. 3239- حدثنا أبو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن عِيسَى بنِ عُبَيْدٍ عن الرّبيعِ بنِ أَنَسٍ عن أبي الْعَالِيَةِ، قال حدثني أُبَيّ بنُ كَعْبٍ قال: "لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أُصِيبَ مِنَ الأنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَسِتّونَ رَجُلاً، وَمِنَ المُهَاجِرِينَ سِتّةٌ مِنْهُمْ حَمْزَةُ، فَمَثّلُوا بِهِمْ، فقالَتْ الأنْصَارُ: لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْماً مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنّ عَلَيْهِمْ. قال: فَلَمّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكّةَ، فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ} فقال رَجُلٌ: لا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ. فقال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: كُفّوا عَنِ الْقَوْمِ إِلاّ أَرْبَعَةً". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديثِ أُبَيّ بنِ كَعْبٍ. - قوله: (أربع) أي من الركعات (قبل الظهر بعد الزوال) صفة لأربع والموصوف مع الصفة مبتدأ وخبره قوله (تحسب) بصيغة المجهول (بمثلهن من صلاة السحر) أي بمثل أربع ركعات كائنة من صلاة السحر، يعني توازي أربعاً من الفجر من السنة والفريضة لموافقة المصلي بعد الزوال سائر الكائنات في الخضوع والدخور لبارئها، فأن الشمس أعلى وأعظم منظوراً في الكائنات، وعند زوالها يظهر هبوطها وانحطاطها وسائر ما يتفيأ بها ظلاله عن اليمين والشمائل، قاله الطيبي. وقيل: لا يظهر وجه العدول عن الظاهر، وهو حمل السحر على حقيقته، وتشبيه هذه الأربع بأربع من صلاة الصيح إلا باعتبار كون المشبه به مشهوداً بمزيد الفضل انتهى، يعني قوله تعالى: "إن قرآن الفجر كان مشهوداً" وفيه إشارة إلى أن العدول إنما هو ليكون المشبه به أقوى، إذ ليس التهجد أفضل من سنة الظهر. قال القارى: والأظهر حمل السحر على حقيقته، وهو السدس الأخير من الليل، ويوجه كون المشبه به أقوى بأن العبادة فيه أشق وأتعب، والحمل على الحقيقة مهما أمكن فهو أولى وأحسن (وليس من شيء إلا وهو يسبح الله تلك الساعة) أي يسبحه تسبيحاً خاصاً تلك الساعة، فلا ينافي قوله تعالى: "وإن من شيء إلا يسبح بحمده" المقتضي لكونه كذلك في سائر الأوقات (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو عمر، قاله القارى: والظاهر هو الأول (يتفيؤ ظلاله الخ) الاَية بتمامها مع تفسيرها هكذا (أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) له ظل كشجر وجبل (يفيؤ) أي يميل (ظلاله عن اليمين والشمائل) جمع شمل أي عن جانبيها أول النهار وآخره "سجداً لله" حال، أي خاضعين بما يراد منهم "وهم" أي الظلال "داخرون" أي صاغرون. نزلوا منزلة العقلاء. قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، وفي سنده يحيى البكاء وهو ضعيف. - قوله: (عن عيسى بن عبيد) بن مالك الكندي أبي المنيب صدوق من الثامنة. قوله: (فمثلوا بهم) أي الكفار بالذين أصيبوا من الأنصار والمهاجرين، يقال مثلث، بالحيوان أمثل به مثلاً: إذا قطعت أطرافه وشوهت به، ومثلت بالقتيل: إذا جدعت أنفه أو أذنه أو مذاكيره أو شيئاً من أطرافه، والاسم المثلة. فأما مثل بالتشديد فهو للمبالغة كذا في النهاية (لتربين عليهم) من الأرباء: أي لنزيدن ولنضاعفن عليهم في التمثيل (وإن عاقبتم الخ) قال الحافظ ابن جرير في تفسيره: يقول تعالى ذكره للمأمنين: وإن عاقبتم أيها المؤمنون من ظلمكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به طالمكم من العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته واحتسبتم عند الله ما نالكم به من الظلم ووكلتم أمره إليه حتى يكون هو المتولي عقوبته لهو خير للصابرين، يقول للصبر عن عقوبته لذلك خير لأهل الصبر احتساباً وابتغاء ثواب الله لأن الله يعوضه من الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه عن ظلمه إياه من لذة الانتصار وهو من قوله "لهو" كناية عن الصبر وحسن ذلك، وأن لم يكن ذكر قبل ذلك الصبر لدلالة قوله "ولئن صبرتم" عليه انتهى (كفوا عن القوم إلا أربعة)، وفي حديث سعد عند النسائي قال: لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين، وقال: "اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح" الحديث. قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه النسائي وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم.
|